الجمعة، 8 أبريل 2022

سر تباطؤ الزمن


                                    سر تباطؤ الزمن



 الزمن والساعات المتحركة الزمن لا يبدو كما نريده أبداً. فهو لا يكون كافياً على الإطلاق إذا ما تأخرنا عن العمل أو المدرسة، ولكنه يكون طويلاً جداً في يوم يشتد فيه هطول المطر ونحن بانتظار الحافلة. وبعيداً عن كل تلك الإزعاجات فإن الزمن يبدو كأنه يتدفق بسلاسة لا يعكر نسقه أي تغير، وهذا التدفق دقيق جداً حتى إننا نضبط حياتنا وفقاً له. فنحن نبدأ يومنا، ونعمل، ونأكل، ونخلد ليلاً إلى الفراش عندما تخبرنا الساعة بذلك، فالزمن يبدو لنا ثابتاً. ساعة شمسية، هل الوقت ثابت؟ لعل فكرة تدفق الزمن الثابت واضحة، ولطالما كانت هي الفكرة السائدة على مر التاريخ حيث اعتقد إسحاق نيوتن، في الوقت الذي لم يتجاهل فيه تفاحته الشهيرة، أن الزمن ثابت، وهو الذي طرح فكرة التصور الكوني (Clock Universe) التي من خلالها يمكننا معرفة المستقبل والماضي على حد سواء فيما إذا تمكّنا من تحديد أين كان كل جسيم وبأي اتجاه تحرك وبأي سرعة. وقد افترض هذا النموذج، على نحو معقول، أن الزمن يتدفق بمعدلٍ ثابت. وبرغم عبقرية نيوتن الفذة إلا أنّه كان مُخطئاً بصورة مفاجئة.  يمضي الزمن في الساعات المتحركة على نحوٍ أبطأ، وهو مفتاح فهم النسبية الخاصة نشر العالم ألبرت أينشتاين عام 1905 نظريته في النسبية الخاصة (Special Theory of Relativity)، وفي هذه النظرية لم يُفتَرض الزمن على أنه كيان منفرد يتدفق باستمرار بل جزء من نظام أكثر تعقيداً مرتبطٌ بنظام الفضاء نفسه. يدعى ذلك بالزمكان (Space-Time). ولأن الزمن والمكان جانبان لكيان واحد، فمن المستحيل الانتقال في المكان دون أن يصاحبه انتقال في الزمان أيضاً، إذاً يُعدّ الزمن متغيراً بالنسبة لأي شيء متحرك. من النتائج المذهلة للنسبية الخاصة هو تباطؤ الزمن في ساعة متحركة بالنسبة لراصد ثابت. بالطبع هناك أنواع عديدة من الساعات منها الساعات الرقمية، والساعات الآلية، والساعات الذرية، بالإضافة إلى الساعات البيولوجية الخاصة بنا، لكنها كلها تتأثر بالتساوي بالمبدأ نفسه وهو أنّ الزمن في الساعات المتحركة يمضي على نحوٍ أبطأ.  كيف يتباطأ الزمن في الساعات؟  هنا يتبادر الى أذهاننا سؤال منطقي وهو إذا كان الزمن يتباطأ في الساعات المتحركة، فلماذا إذاً لا نلاحظ التغير الحاصل؟    هناك سببين لتفسير ذلك  إذا تحركنا فإن حركتنا ستكون بطيئةً جداً لحدوث تغير محسوس.  حتى لو مضينا بسرعة كافية لحدوث تباطؤ في الزمن فلن نلاحظ ذلك لأنّ ساعاتنا البيولوجية ستتباطأ أيضاً بنفس النسبة. تبلغ سرعة الضوء نحو 300 ألف كيلومتر في الثانية (186300 ميل في الثانية)، وإنَ أي تغير في الزمن لن يكون محسوساً حتى نصل إلى سرعات عالية مقاربة لأجزاء من سرعة الضوء. وعلى أي حالٍ فعند السرع العالية والقريبة من سرعة الضوء سيزداد تباطؤ الزمن بسرعة كبيرة جداً حتى يتوقف تماماً. إن تباطؤ الساعات الناتج عن زيادة السرعة يسمى تباطؤ الزمن (Time Dilation) ويمكن التعبير عنه بعلاقة رياضية دقيقة. وللوصول إلى فهم أفضل، وُضعت هذه المعادلة هنا، لكن بإمكانك تخطيها والانتقال مباشرة إلى الرسم البياني أسفلها.  معادلة تباطؤ الزمن عندما تُرسم المعادلة الآنفة الذكر برسم بياني، نستطيع ببساطة ملاحظة التأثير الكبير لتباطؤ الزمن كلما اقتربنا من سرعة الضوء. الرسم البياني ملاحظة التغير البسيط في تباطؤ الزمن عند السرعات القليلة (أي لا يتغير تدفق الزمن بشكل كبير). يُمكننا من الرسم البياني ملاحظة التغير البسيط في تباطؤ الزمن عند السرعات القليلة (أي لا يتغير تدفق الزمن بشكل كبير). لكن عند ازدياد السرعة إلى أكثر من 75% من سرعة الضوء فإن تباطؤ الزمن سيزداد بشكل كبير جداً. وحتى عند السرعة القليلة التي تصل إلى 10% من سرعة الضوء (300000 كم/ثانية أو 186300 ميل/ثانية) فإن ساعاتنا ستتباطأ بما يقارب 1% فقط.   لكن إذا ما تحركنا بسرعة تصل إلى 95% من سرعة الضوء فإن الزمن سيتباطأ بمقدار ثلث الزمن المقاس بواسطة الراصد الثابت. لاحظ أنه لايوجد أي تباطؤ في الزمن عند 0% من سرعة الضوء. وأيضاً، عندما يكون بإمكاننا الوصول إلى ما يقارب سرعة الضوء بالقدر الذي تسمح به التكنولوجيا، فإنه من المستحيل الوصول إلى 100% من سرعة الضوء. بناءً على ما سبق، فإننا إذا ما تحركنا بأي سرعة كانت فإن الزمن يتباطأ نسبة إلى راصد ثابت. لكن لاحظ ذلك، فعلى سبيل المثال سيمرّ الوقت بشكل طبيعي بالنسبة لراكبي الصواريخ المسافرة بسرعة عالية جداً، ومع ذلك فإنهم إذا ما استطاعوا مراقبة ساعة على الأرض فسيلاحظون أنها تمضي بشكل سريع جداً.   ومن ناحية أخرى إذا ما تمكن راصد أرضي من مراقبة ساعة على متن الصاروخ فسيلاحظ أنّها تمضي بشكل بطيء جداً، ومن هنا جاءت تسمية النظرية بالنسبية نظراً لأن الزمن نسبي لأي راصد يراقبه بسرعة معينة.  الحد الكوني للسرعة هناك سؤال طالما تم طرحه حول النسبية الخاصة وهو ماذا سيحدث إذا تجاوزنا سرعة الضوء؟ في بعض الأحيان تتم الإجابة عن هذا السؤال بأننا سنعود بالزمن إلى الوراء، لكن نظرية النسبية الخاصة ببساطة تخبرنا باستحالة حدوث ذلك. فالعالم له حدود للسرعة وهي سرعة الضوء وله أيضاً طريقة ذكية تمنعنا من تجاوز هذه الحدود. فكلما زادت سرعتنا زادت كتلتنا الظاهرية (كما تقاس بواسطة راصد) بعلاقة طردية مع السرعة.  في الحقيقة تبدو كتلتنا وكأنها تزداد بنفس النسبة التي يتباطأ بها الزمن (بطريقة مشابهة للرسم البياني السابق)، ونحن نعلم من تجاربنا اليومية أنه كلما كانت كتلة الجسم أكبر كلما احتاج إلى طاقة أعلى لتحريكه.  فإذا حاولنا تحريك جسم بنسبة 0% من سرعة الضوء فسنستنتج أنّ له الكتلة التي نتوقعها. برغم ذلك ستزداد كتلة الجسم كلما ازدادت سرعته، فعلى سبيل المثال عند تحريك جسم بسرعة 99.5% من سرعة الضوء فسيزن الجسم عندها ما يقارب 10 أمثال وزنه في حال كان ساكناً. كلما زادت سرعتنا زادت كتلتنا الظاهرية (كما تقاس بواسطة راصد) بعلاقة طردية مع السرعة. مع ازدياد سرعتنا زيادة كبيرة جداً، تزداد الكتلة الظاهرية وتزداد الطاقة المطلوبة لتحريك الجسم وفقاً لذلك. وبالوصول لسرعة الضوء فإنّ الأمر يتطلب طاقة لا نهائية لتحريك أي جسم. وبما أنه من المستحيل الحصول على طاقة لا نهائية فلن نستطيع الوصول إلى سرعة الضوء (ولكن قد نقترب منها بقدر ما لدينا من الطاقة، وما تسمح به التكنولوجيا).  لاحظ أيضاً أن الراكب على متن صاروخ مسافر بسرعة كبيرة لن يكون مدركاً زيادة الكتلة بالضبط كعدم إدراكه لنسبة تغير الزمن. ولن يلاحظ أي فرق في الكتلة إلا إذا ما قام بقياس كتلة مراقب ثابت، فروّاد الفضاء يدركون أنّ كل ما حولهم قد غيّر كتلته في حين أن كتلتهم تبدو كأنها ثابتة. على أي حال هناك شيء ما يتحرك بسرعة الضوء، وبالطبع: إنه الضوء!  ماهي النتائج المترتبة على تباطؤ الزمن؟ واحدة من أغرب نتائج تباطؤ الزمن هي ما يدعى بمفارقة التوأم (twin paradox). في هذه المفارقة يُرسل أحد التوأمين إلى الفضاء بسرعة هائلة وكنتيجة لهذه السرعة فإن جميع الساعات على متن صاروخه ومن ضمنها ساعته البيولوجية أيضاً ستتباطأ وفقاً لمبدأ أنّ الزمن في الساعات المتحركة يمضي على نحوٍ أبطأ. وحين يعود التوأم سيكون أصغر عمراً من أخيه التوأم الذي بقي على سطح الأرض حيث يمضي الزمن بصورة طبيعية. يمكن إيجاد تفاصيل أكثر حول هذا الموضوع في صفحة النسبية الخاصة في 15 دقيقة. وكتوضيح لتباطؤ الزمن دعنا نلقي نظرة على مجموعة من الناس تقتضي وظيفتهم قضاء وقتهم في سحق جسيمات صغيرة مع بعضها لاكتشاف ما سيحدث لها، هؤلاء الأشخاص هم فيزيائيو الجسيمات (أو فيزيائيو الطاقة العالية). وبالنسبة لمثل هؤلاء العلماء فإن النسبية هي جزء رتيب من عملهم، الذي في الحقيقة قد يكون صعباً أو حتى مستحيلاً بدونها.   فالجسيمات التي يسحقونها مرتبطة مع بعضها بقوة كبيرة وتحتاج إلى طاقة كبيرة جداً لتحطيمها. وواحدة من الطرق (لكن ليست الوحيدة) لمد الجسيم بالطاقة المطلوبة هي تحريكها بسرعة كبيرة جداً في حلقة مغناطيسية كبيرة تُدعى مسرعات الجسيمات (particle accelerators). ويعتبر هذا البحث مهماً جداً فمعظم دول العالم تستخدم مثل هذا الآلة، وهذا هو المسرع الذي تستخدمه المنظمة الأوربية للأبحاث النووية "سيرن CERN". سيرن كما تلاحظ فإن تحطيم الجسيمات الصغيرة يتطلب آلات كبيرة جداً. العديد من التجارب كان ليكون أسرع بكثير لولا حقيقة تباطؤ "الساعات" الداخلية لهذه الجسيمات بسبب السرعات العالية والنسبية الخاصة. فعلى سبيل المثال عندما يتصادم جسيمان -ذرتان مثلاً- مع بعضهما عند سرعات هائلة فقد تلتصقان لحظياً مكونتان بذلك جسيم معين. تنهار معظم هذه الجسيمات الثقيلة حالاً خلال إطار زمني قصير جداً قد لا يتجاوز في بعض الأحيان جزءاً من ترليون جزءٍ من الثانية. وبتسريع هذه العملية سيكون من الممكن تزويد الجسيمات الأصلية بالطاقة الكافية لدمجها مع بعضها، ليس ذلك وحسب بل ستبقى الجسيمات الجديدة الناتجة لفترة أطول وفقاً للكيفية التي وضعتها النسبية الخاصة عند السرع العالية التي تتحرك بها. هناك نتيجة إضافية للحركة -أي حركة- وهي أنّ المسافة تتقلص في اتجاه الحركة بالرغم من هذه النتيجة لا تبدو واضحةً إلا عند سرعة قريبة من سرعة الضوء. فمثلاً لنفترض أننا بدأنا برحلة باتجاه نجم يبعد عن الأرض 100 سنة ضوئية وإن سرعتنا كانت 99% من سرعة الضوء.   منطقياً ستستغرق الرحلة 100 سنة، لكن هذه النتيجة لم تأخذ تباطؤ الزمن بالحسبان. فبدلاً من ذلك سنصل إلى النجم بحدود 14.1 سنة فقط وذلك بسبب تمدد المسافة. فكلما مضينا بسرعة أكبر كلما زاد التباطؤ بطريقة خيالية، ولذلك فعند 99.9% من سرعة الضوء سنصل فقط بـ 4.5 سنة وعند 99.99 من سرعة الضوء سنصل بنحو 1.4 سنة. يمكنك تجربة ذلك لقيم مختلفة للمسافة والسرعة بإدخالها في حاسبة التباطؤ هنا.    سرعة الضوء لا حاجة للقول إن الضوء ينتقل بسرعة الضوء. لكن السؤال هو كيف يمكن للضوء فعل ذلك، ولماذا لا يحتاج لقدر لا نهائي من الطاقة ليبلغ تلك لسرعة؟ الجواب هو عدم امتلاك الجسيمات المكونة للضوء (التي تسمى السكون(Rest Mass). فالفوتونات تتحرك باستمرار لكن إذا ما تمكنا من إيقاف أحدها وقياس وزنه، سنجد أن ليس له كتلة. لكن يمكننا القول باختصار إن كل التجارب التي أُقيمت لإيجاد كتلة الفوتونات باءت بالفشل، ليس ذلك وحسب بل أثبتت التجارب أيضاً أن الضوء عديم الكتلة. ومهما يكن الحال فإن الضوء لا ينتقل دائماً بسرعة الضوء، ولا يتطلب إبطاؤه الكثير. فبإمكانك الآن قراءة هذا المقال فقط بسبب الضوء الذي إما صادر عن شاشتك أو منعكس عن نسختك الورقية، حيث يصطدم الضوء بالجزء الخلفي من عينيك ويحاكي نوعاً خاصاً من الخلايا التي بدورها ترسل صورة لدماغك. يبطئ الهواء الذي بين عينيك وهذه الكلمات الضوء بينهما بنحو 50 كم/ساعة (30 ميل/ساعة). وعلى الرغم من أنّ هذه نسبة ضئيلة جداً من سرعة الضوء المعتادة، لكن يجب علينا أن نكون دقيقين عندما نقول إن الضوء ينتقل بسرعة الضوء. في الحقيقة فإن الضوء ينتقل بسرعة الضوء في الفراغ فقط، كالفضاء مثلاً. وعندها تكون سرعته نحو 300 ألف كم/ساعة (18300 ميل/ساعة)، وعند هذه السرعة بإمكانه الدوران حول العالم 7 مرات كلّ ثانية. مما لا شكّ فيه أن هذه سرعة خارقة، لكن من ناحية حجم الكون يبدو ذلك بطيئاً على نحوٍ مفاجئ. فمثلاً يستغرق الضوء نحو 1.5 ثانية ليصلنا من القمر، و8.5 دقيقة ليصلنا من الشمس و25.4 سنة ليصلنا من أقرب نجم لمجموعتنا الشمسية و14 مليار سنة ليصلنا من أبعد جسم تم رصده حتى الآن. إن مليون أو مليار سنة مدة طويلة جداً بالتأكيد. لكننا ربما نكون قد نسينا شيئاً. فنحن نقيس الزمن وفقاً لساعاتنا الأرضية، وبالنسبة لمعظم الأجسام في الفضاء تعد ساعاتنا قريبةً جداً من حالة السكون. فكيف يمكن إذن لفوتون ينتقل بسرعة الضوء أن يختبر الزمن؟  إذا ما نظرت الى السماء في ليلة صافية وفي الوقت المناسب من السنة (شتاءً في نصف الكرة الشمالي مثلاً) سترى نموذجاً من النجوم تبدو كما في الصورة أدناه تُعرف بكوكبة المرأة المسلسلة "أندروميدا" constellation of Andromeda. كوكبة المرأة المسلسلة "أندروميدا" constellation of Andromeda يُعرف الجسيم المشار إليه في الصورة بـ M31 أو مجرة المرأة المسلسلة، وهي تشبه قليلاً مجرتنا درب التبانة. وفي ليلة صافية يمكنك رؤيتها كلطخة خافتة ضبابية في السماء. وبالنسبة لأغلب الناس فإنها أبعد جسم من الممكن رؤيته بالعين المجردة.  مجرة المرأة المسلسلة، وهي تشبه قليلاً مجرتنا درب التبانة تبين الصور المأخوذة بالتلسكوب أنها تتكون من ملايين وملايين النجوم، والعديد منها يشبه شمسنا. تُعدّ مجرة المرأة المسلسلة بعيدة جداً عنا حيث يستغرق الضوء الواصل منها إلينا (كما يقاس بواسطة ساعاتنا الأرضية) أكثر من مليوني سنة ضوئية. على كل حالٍ، فإن الفوتون المنبعث من نجم في مجرة المرأة المسلسلة والمتجه نحو الأرض في الفراغ، ولأنه فوتون، ينتقل بسرعة الضوء. وبما أن الفوتون ينتقل بسرعة الضوء فإن عامل تباطؤ الزمن له يساوي 100%. بالنسبة للفوتون لا يوجد زمن إلا إذا ضرب الغلاف الجوي العلوي لكوكبنا وبعد ذلك يبدأ بالتباطؤ بنسبة قليلة جداً. إذاً، بالنسبة لفوتون في الفضاء فإن الزمن أو المسافة لا معنى لهما على الإطلاق، وهذا الأمر محيراً للعقل.الفوتونات) أي كتلة، وبصورة أدق فإنها لا تملك كتلة في حالة كونها ثابتة بالنسبة لراصد -تُعرف هذه الكتلة بكتلة السكون(Rest Mass). فالفوتونات تتحرك باستمرار لكن إذا ما تمكنا من إيقاف أحدها وقياس وزنه، سنجد أن ليس له كتلة. لكن يمكننا القول باختصار إن كل التجارب التي أُقيمت لإيجاد كتلة الفوتونات باءت بالفشل، ليس ذلك وحسب

بل أثبتت التجارب أيضاً أن الضوء عديم الكتلة. ومهما يكن الحال فإن الضوء لا ينتقل دائماً بسرعة الضوء، ولا يتطلب إبطاؤه الكثير. فبإمكانك الآن قراءة هذا المقال فقط بسبب الضوء الذي إما صادر عن شاشتك أو منعكس عن نسختك الورقية، حيث يصطدم الضوء بالجزء الخلفي من عينيك ويحاكي نوعاً خاصاً من الخلايا التي بدورها ترسل صورة لدماغك. يبطئ الهواء الذي بين عينيك وهذه الكلمات الضوء بينهما بنحو 50 كم/ساعة (30 ميل/ساعة). وعلى الرغم من أنّ هذه نسبة ضئيلة جداً من سرعة الضوء المعتادة، لكن يجب علينا أن نكون دقيقين عندما نقول إن الضوء ينتقل بسرعة الضوء. في الحقيقة فإن الضوء ينتقل بسرعة الضوء في الفراغ فقط، كالفضاء مثلاً. وعندها تكون سرعته نحو 300 ألف كم/ساعة (18300 ميل/ساعة)، وعند هذه السرعة بإمكانه الدوران حول العالم 7 مرات كلّ ثانية. مما لا شكّ فيه أن هذه سرعة خارقة، لكن من ناحية حجم الكون يبدو ذلك بطيئاً على نحوٍ مفاجئ. فمثلاً يستغرق الضوء نحو 1.5 ثانية ليصلنا من القمر، و8.5 دقيقة ليصلنا من الشمس و25.4 سنة ليصلنا من أقرب نجم لمجموعتنا الشمسية و14 مليار سنة ليصلنا من أبعد جسم تم رصده حتى الآن. إن مليون أو مليار سنة مدة طويلة جداً بالتأكيد. لكننا ربما نكون قد نسينا شيئاً. فنحن نقيس الزمن وفقاً لساعاتنا الأرضية، وبالنسبة لمعظم الأجسام في الفضاء تعد ساعاتنا قريبةً جداً من حالة السكون. فكيف يمكن إذن لفوتون ينتقل بسرعة الضوء أن يختبر الزمن؟  إذا ما نظرت الى السماء في ليلة صافية وفي الوقت المناسب من السنة (شتاءً في نصف الكرة الشمالي مثلاً) سترى نموذجاً من النجوم تبدو كما في الصورة أدناه تُعرف بكوكبة المرأة المسلسلة "أندروميدا" constellation of Andromeda. كوكبة المرأة المسلسلة "أندروميدا" constellation of Andromeda يُعرف الجسيم المشار إليه في الصورة بـ M31 أو مجرة المرأة المسلسلة، وهي تشبه قليلاً مجرتنا درب التبانة. وفي ليلة صافية يمكنك رؤيتها كلطخة خافتة ضبابية في السماء. وبالنسبة لأغلب الناس فإنها أبعد جسم من الممكن رؤيته بالعين المجردة.  مجرة المرأة المسلسلة، وهي تشبه قليلاً مجرتنا درب التبانة تبين الصور المأخوذة بالتلسكوب أنها تتكون من ملايين وملايين النجوم، والعديد منها يشبه شمسنا. تُعدّ مجرة المرأة المسلسلة بعيدة جداً عنا حيث يستغرق الضوء الواصل منها إلينا (كما يقاس بواسطة ساعاتنا الأرضية) أكثر من مليوني سنة ضوئية. على كل حالٍ، فإن الفوتون المنبعث من نجم في مجرة المرأة المسلسلة والمتجه نحو الأرض في الفراغ، ولأنه فوتون، ينتقل بسرعة الضوء. وبما أن الفوتون ينتقل بسرعة الضوء فإن عامل تباطؤ الزمن له يساوي 100%. بالنسبة للفوتون لا يوجد زمن إلا إذا ضرب الغلاف الجوي العلوي لكوكبنا وبعد ذلك يبدأ بالتباطؤ بنسبة قليلة جداً. إذاً، بالنسبة لفوتون في الفضاء فإن الزمن أو المسافة لا معنى لهما على الإطلاق، وهذا الأمر محيراً للعقل.

 

المصدر: https://nasainarabic.net/education/articles/view/time-dilation

( ناسا بالعربي، 2016، سر تباطؤ الزمن، ترجمة زيني الطويل)